العرض في الرئيسةتحليلات
إلى أين تتجه العلاقات الروسية مع الغرب؟
يمنات
شهدت العلاقات الروسية الغربية سلسلة من التجاذبات السياسية والأمنية والاقتصادية طيلة العقود الثلاثة الماضية والتي بلغت ذروتها خلال الأزمة الأوكرانية قبل أكثر من عامين.
وأثبتت الأزمة الأوكرانية أن روسيا والغرب لم يتمكنا من التوصل إلى صيغة أمنية تحفظ الاستقرار بين الجانبين رغم مرور ربع قرن على انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق. ليس هذا فحسب؛ بل كادت هذه الأزمة أن تشعل فتيل حرب مدمرة بين الطرفين خصوصاً بعد أن إتهمت موسكو حلف شمال الأطلسي “الناتو” بمحاولة التوسع على حساب حدودها الشرقية مع أوروبا.
ويبدو من خلال قراءة المعطيات التاريخية أن موسكو لم تعد تثق بتعهدات الناتو خصوصاً بعد الهجوم الذي شنه الحلف على صربيا في آذار/مارس 1999 ونشره لمنظومة صواريخ باليستية قرب الحدود الروسية الشرقية، الأمر الذي وصفه الرئيس فلاديمير بوتين بأنه يهدد الأمن والاستقرار في عموم المنطقة ويتجاهل مصالح بلاده المشروعة فيها على المديين القريب والبعيد.
وتعتقد القيادة الروسية بأن الغرب وعلى رأسه أمريكا يسعى لاستغلال الظروف التي نجمت عن الأزمة الأوكرانية لاسيّما بعد أن عمدت الدول الأوروبية إلى فرض عقوبات إقتصادية على موسكو على خلفية هذه الأزمة.
وأدى هذا الإجراء إلى إنفراط عقد التعاون الاقتصادي الروسي الأوروبي الذي كان من المفترض أن يتم بعد انتهاء الحرب الباردة لولا إندلاع الأزمة الأوكرانية. واتهمت موسكو العواصم الأوروبية بالتبعية لواشنطن في إتخاذ القرارات التي تتعلق بشكل وطبيعة العلاقات الروسية – الغربية، الأمر الذي أدى إلى تعميق سوء الظن بين الطرفين رغم محاولات بعض الدول الأوروبية ومن بينها ألمانيا لكسر هذا الحاجز والتي خففت إلى حد ما من حالة الاحتقان الشديد التي سادت الأجواء بين الطرفين أثناء وبعد الأزمة الأوكرانية.
وبسبب التباين الشديد بين موسكو والغرب لاسيّما واشنطن إزاء الأزمة السورية وما نجم عنها من تداعيات سلبية من بينها موجات النزوح الكبيرة نحو الدول الأوروبية وانتشار ظاهرة الإرهاب في المنطقة والعالم تعمق الخلاف بين روسيا والغرب خصوصاً بعد أن شعرت الأولى بأن مخاطر الإرهاب بدأت تهدد أمنها واستقرارها نتيجة إنتشار التنظيمات الإرهابية لاسيّما “داعش” في العديد من دول منطقتي آسيا الوسطى والقوقاز.
وبعد مشاركة روسيا بقوة في ضرب مقرات ومواقع الجماعات الإرهابية في سوريا في أيلول/سبتمبر 2015 بدأت مرحلة توتر جديدة في العلاقات الروسية – الغربية، حيث وجهت الكثير من الدول الأوروبية ومعها أمريكا إنتقادات شديدة للقيادة الروسية، إلاّ أن الهجمات الإرهابية التي تعرض لها عدد من الدول الأوروبية ومن بينها فرنسا وألمانيا أرغمت الغرب على إعادة النظر في تقييماته وإجراءاته تجاه هذه التهديدات، ومن ثم إبداء إستعداده للتعاون مع موسكو لمواجهة هذا الخطر في نهاية المطاف.
ولكن رغم هذا التقارب والذي ظهر بشكل واضح بين موسكو وواشنطن من خلال الإتفاق على إجراء مفاوضات تسوية للأزمة السورية لا زال التوتر هو سيد الموقف بين الطرفين بسبب وجود ملفات أخرى من بينها التحالف الذي يتعزز بأشكال مختلفة يوماً بعد آخر بين إيران وروسيا، وكذلك التقارب الأخير بين موسكو وأنقرة الذي تبلور بعد إعتذار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إسقاط طائرة السوخوي الروسية، والذي تعزز أيضاً بشكل جلي بعد رفض روسيا لمحاولة الإنقلاب العسكرية الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف تموز/ يوليو الماضي والتي أُتهمت واشنطن بالتورط فيها.
ويظل الاعتقاد السائد بأن التوتر بين روسيا والغرب لن يصل إلى حد المواجهة العسكرية مهما بلغت حدّة هذا التوتر لأن الطرفين يدركان جيداً حجم الكارثة التي ستحل في حال إندلاع حرب مباشرة بين الجانبين خصوصاً مع إستمرار الحروب التي تشن بالوكالة والتي تشهدها العديد من مناطق العالم لاسيّما الشرق الأوسط والتي تدار في الحقيقة بالخفاء من قبل الدول الكبرى خصوصاً أمريكا وروسيا، ما يعزز الاعتقاد بأن العالم سائر باتجاه تقاسم النفوذ مرة أخرى بين هاتين القوتين كما كان عليه الحال أثناء فترة الحرب الباردة التي إستمرت لنحو نصف قرن.
ويبقى أن بيت القصيد في هذه المعركة الجيوستراتيجية بين الغرب وروسيا، يتمثل في العقوبات التي أعاد الغرب إشهارها ضد روسيا، باعتبارها وسيلة الضغط المناسبة لإدارة صراع من جنس صراعات الحرب التقليدية “الباردة” والتي بقيت حتى اللحظة في حدود التحذيرات المتبادلة التي لا تتناسب مع حدّة التصريحات والحرب الإعلامية، ولم تصل كذلك إلى المستوى الذي يمكن أن يهدد الاقتصاد بشكل جدّي لدى الطرفين .
المصدر: الوقت